فصل: سنة خمس وتسعين وثلثمائة

مساءً 1 :59
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
28
الأحد
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء **


 سنة إحدى وتسعين وثلثمائة

في المحرم واصل الحاكم الركوب في الليل في كل ليلة وكان يركب إلى موضع موضع وإلى شارع شارع وإلى زقاق زقاق‏.‏

وأمر الناس بالوقيد فتزايدوا فيه بالشوارع والأزقة وزينت الأسواق والقياسر بأنواع الزينة وباعوا واشتروا وأوقدوا الشموع الكبيرة طول الليل وأنفقوا الأموال الكثيرة في المآكل والمشارب والغناء واللهو‏.‏

ومنع الرجال المشاة بين يدي الحاكم أن يقرب أحد من الناس الحاكم فزجرهم وقال لا تمنعوا أحداً فأحدق الناس به وأكثروا من الدعاء له‏.‏

وزينت الصناعة وخرج سائر الناس بالليل للتفرج وغلب النساء الرجال على الخروج في الليل وتزايد الزحام في الشوارع والطرقات وتجاهروا بكثير من المسكرات وأفرط الأمر من ليلة التاسع عشر إلى ليلة الرابع والعشرين فلما خرج الناس عن الحد أمر الحاكم ألا تخرج امرأة من العشاء فإن ظهرت نكل بها‏.‏

ومنع الناس من الجلوس في الحوانيت‏.‏

وهبت في أول يوم من طوبة سموم لم يعهد مثله‏.‏

وورد سابق الحاج ثم قدمت قافلة الحاج في سادس عشر صفر‏.‏

وفي خامس ربيع الأول أعتق الحاكم زيدان صاحب المظلة وأمر أن يكتب على مكاتباته من زيدان مولى أمير المؤمنين‏.‏

وخلع على القاضي حسين بن النعمان وقيد بين يديه بغلتان بسروجهما ولجمهما وحمل إليه عدة ثياب لحضوره العتاقة‏.‏

وكثر وقود المصابيح في الشوارع والطرقات وأمر الناس بالاستكثار منها وبكنس الطرقات وحفر الموارد وتنظيفها‏.‏

وخلع على فتح غلام ابن فلاح وندب إلى الخروج على الأسطول‏.‏

وقبض على رجل شامي قال‏:‏ لا أعرف علي بن أبي طالب وأقول إن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل غير أني لا أعرف علي بن أبي طالب‏.‏

فحبس وروجع فأصر على أنه لا يعرف عليا فرفق به القائد حسين فلم يعترف بمعرفة علي رضي الله عنه فخرج الأمر بقتله فضرب عنقه وصلب‏.‏

وفي سادس عشر جمادى الآخرة وصل رسول ملك الروم فحشدت له العساكر من سائر الأعمال ووقفوا صفين والحاكم واقف ليراهم‏.‏

وسار الرسول بين العساكر إلى باب الفتوح ونزل ومشى إلى القصر يقبل الأرض في طول المسافة حتى وصل إلى حضرة الحاكم بالقصر وقد فرش إيوان القصر وعلق فيه تعاليق غريبة يقال إنه أمر بتفتيش خزائن الفرش إلى أن وجد فيها أحداً وعشرين عدلا ذكرت السيدة رشيدة بنت المعز أنها كانت في قطار الفرش المحمولة من القيروان إلى مصر مع المعز في جملة أعدال وأن كتاب خزائن الفرش وجدوا على بعضها مكتوبا الحادي والثلاثون والثلثمائة من عمل العبيد ديباج خز ومذهب ففرش منه جميع الإيوان وستر جميع حيطانه بالتعاليق فكان جميع أرضه وحيطانه رفيعاً دليلا على عظمته وسعته‏.‏

وعلقت بصدر الإيوان العسجدة وهي درقة مطعمة بفاخر الجوهر النفيس من كل أصنافه فأضاء لها ما حوله ووقعت عليها الشمس فلم تطق الأبصار تأملها كلالاً‏.‏

فدخل الرسول وقبل الأرض وأنفذ الحاكم لأبي الحسن علي بن إبراهيم النرسي ألف دينار وأربعة وعشرين قطعة ثياب مختارة وسومح بمبلغ ثلاثة آلاف دينار كانت عليه‏.‏

وجرى الرسم في الفطر طول شهر رمضان على مائدة الحاكم كما تقدم‏.‏

ولما كثر النزاع بين عبد العزيز بن النعمان والقاضي حسين بن النعمان كتب الحاكم بخطه ورقة إلى الحسين نصها بعد البسملة‏:‏ يا حسين أحسن الله عليك‏.‏

اتصل بنا ما جرى من شناعات العوام ومن لا خير فيه وإرجافهم وأنكرنا أن يجري مثله فيمن يحل محلك من خدمتنا إذ أنت قاضينا وداعينا وثقتنا‏.‏

ونحن نتقدم بما يزيل ذلك ولم نجعل لأحد غيرك نظراً في شيء من القضايا والحكم ولا في شيء مما استخدمناك فيه ولا مكاتبة أحد من خلفائك بالحضرة وغيرها وسائر النواحي ولا أن نكاتب أحدا منهم غيرك ومن تسمى غيرك بالقضاء فذلك على المجاز في اللفظ لا على الحقيقة‏.‏

وقد منعنا غيرك أن يسجل في شيء فيتقدم إلى جميع الشهود والعدول بألا يشهدوا في سجل لأحد سواك‏.‏

وإن تشاجر خصمان فدعى أحدهما إليك ودعى الآخر إلى غيرك كان الداعي إلى غيرك عليه الرجوع إليك طائعا مكرها فاجر على ما أنت عليه من تنفيذ القضايا والأحكام مستعينا بالله عز وجل ثم بنا ولك من جميل رأينا فيك ما يسعدك في الدنيا والآخرة‏.‏

وقد أذنا لك أن يكاتب جميع من يكاتب القاضي بقاضي القضاة كما جعلناك وتكاتب من تكاتبه بذلك وتكتب به في سجلاتك‏.‏

فاعلم ذلك وأشهر أمرنا بجميع ما يقتضيه هذا التوقيع ليمتثل ولا يتجاوز‏.‏

وفقك الله لرضاه ورضانا وأيدك على ذلك وأعانك عليه إن شاء الله تعالى‏.‏

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما‏.‏

فقرأه القاضي على سائر الشهود وأمر أن يكتب في سجلاته قاضي القضاة وكوتب بذلك وكتب عليه‏.‏

وجرى الرسم في ركوب الحاكم لفتح الخليج وفي يوم العيد إلى المصلى على العادات‏.‏

وسارت قافلة الحاج للنصف من ذي القعدة بالكسوة والشمع والصلات وزينت البلد مرة في شوال ثلاثة أيام ومرة في ذي القعدة يوما‏.‏

وجرى الرسم في صلاة عيد النحر على ما تقدم ثم انصرف فنحر ودخل تربة القصر وحضر السماط‏.‏

وفيها توفي أبو الفضل جعفر بن الفرات في ثالث ربيع الأول عن اثنتين وثمانين سنة وثلاثة أشهر وخمسة أيام فصلى عليه القاضي حسين بن النعمان ودفن في داره‏.‏

وكان من الفضل والعلم والدين بمنزلة وحدث وأسمع وأملى مجالس وكتب على الصحيحين مستخرجا وكان كثير البرد والصلات والصدقة شديد الغيرة حتى إنه ليحجب أولاده الأكابر عن حرمه وأهله وعن أمهاتم‏.‏

فإنه بلغه عن بعض أولاده أنه واقع أختا له وأحبلها‏.‏

وكان يتنسك منذ تجاوز أربعين سنة‏.‏

ثم وفيها قتل الحاكم مؤدبه أبا القاسم سعيد بن سعيد الفارقي يوم السبت لثمان بقين من جمادى الأولى وهو يسايره بأن أشار إلى الأتراك بعينيه بعد أن بيت معهم قتله فأخذته السيوف وكان قد داخل الحاكم في أمور الدولة وقرأ عليه الرقاع واستأذنه في الأمور كهيئة الوزراء‏.‏

 سنة إحدى وتسعين وثلثمائة

في المحرم قتل الحاكم ابن أبي نجدة وكان بقالا فترقت أحواله حتى ولى الحسبة ودخل فيما لا يليق به وأساء في معاملة الناس فاعتقل ثم قطعت يده ولسانه وشهر على جمل وضربت عنقه‏.‏

وفي شعبان سارت هدية إلى المغرب فيها ثلثمائة فرس بجلال وعشرة بمراكب وخمسة وأربعون بغلا تحمل السلاح والكسوة وعشرون بغلا تحمل صناديق فيها ذهب وفضة‏.‏

وفي شهر رمضان خلع على تموصلت بن بكار وقلد بسيف وحمل على عشرة أفراس بمراكبها وقلد إمارة الشام‏.‏

وجرى الرسم في سماط رمضان وصلاتي العيدين وخروج قافلة الحاج على ما تقدم‏.‏

وفيها توفي أبو تميم سلمان بن جعفر بن فلاح في ثامن جمادى الآخرة‏.‏

وقتل عدة أناس في نصف صفر قدم الحاج‏.‏

وفي ربيع الأول قرئ سجل برفع المنكرات وإبطالها وبمنع ذلك فختم على عدة مواضع فيها المسكرات لتراق‏.‏

وابتدئ في عمارة جامع راشدة وكان مكانه كنيسة فبنى جامعاً وأقيمت فيه الجمعة وفي ثامن جمادى الآخرة ضربت رقبة فهد بن إبراهيم وله منذ نظر في الرئاسة خمس سنين وتسعة أشهر واثنا عشر يوما‏.‏

فحمل أخوه أبو غالب إلى سقيفة القصر من مال أخيه فهد جرايات فيها خمسمائة ألف دينار‏.‏

فلما خرج الحاكم سأل عنها فعرف خبرها فأعرض عنا وبقيت هناك مدة ثم أمر بها فردت إلى أولاد فهد وقال إنا لم نقتله على مال فحملت إليهم ثم رفع أصحاب الأخبار عن أبي غالب كلمة تكلم بها فقتل وأحرق بالنار‏.‏

وخلع على أبي الحسن علي بن عمر بن العداس مكانه وخلع على ابنه محمد بن علي وعلى الحسين بن طاهر الوزان وحملوا في رابع عشره‏.‏

وسار الأمير ياروخ متقلدا طبرية وأعمالها‏.‏

وقبضت أموال من قبض عليه من النصارى الكتاب‏.‏

وأمر بإتمام بناء الجامع الذي ابتدأ بعمارته العزيز على يد وزيره يعقوب بن كلس خارج باب وفي خامس عشر من شهر رجب ضرب عنق أبي طاهر محمود بن النحوي الناظر في أعمال الشام لكثرة تجبره وعسفه بالناس‏.‏

وفي غرة شعبان جمع في الجامع الجديد بظاهر باب الفتوح‏.‏

وقطع الحاكم الركوب في الليل‏.‏

ورد إلى أولاد فهد بن ابراهيم سروجهم المحلاة وأمروا بالركوب بها‏.‏

وأطلق من اعتقل من الكتاب النصارى‏.‏

وصلى الحاكم في رمضان بالناس أجمعين بعد ما خطب وصلى صلاة عيد الفطر وخطب على الرسم‏.‏

وأكثر من الحركة في شهري رمضان وشوال إلى دمنهور والأهرام وغيرهما‏.‏

وسافر الحاج للنصف من ذي القعدة‏.‏

وأما الشام فإنه لما مات جيش بن الصمصامة في شهر ربيع الآخر سنة تسعين ولي دمشق شيخ من المغاربة يقال له فحل بن تميم فلبث شهورا ومات فقدم عند الحاكم على ابن جعفر بن فلاح فنزل على دمشق ليومين بقيا من شوال وأقام بها غير منبسط اليد في ماله‏.‏

فلما كان في شهر رمضان سنة اثنتين وتسعين قدم من جهة الحاكم داع يقال له ختكين الملقب بالضيف إلى دمشق فبرز ابن فلاح وأقام بظاهر دمشق‏.‏

فأراد الضيف أن ينقص الجند من أرزاقهم فشغبوا وساروا يريدون ابن عبدون النصراني وكان على تدبير المال وعطاء الأرزاق فمنعهم الضيف وأغلظ في القول لهم وكان قليل المداراة فرجعوا إليه وقتلوه وانتهبوا دور الكتاب والكنائس‏.‏

وتحالف المغاربة والمشارقة من العسكر على أن يكونوا يداً واحدة في طلب الأرزاق وأنهم يمتنعون ممن يطالبهم بما فعلوه وحلف لهم علي بن جعفر بن فلاح أنه معهم على ما اجتمعوا عليه‏.‏

فبلغ ذلك الحاكم فقال‏:‏ هذا قد عمى‏.‏

فبعث يعزله عن دمشق فسار عنها في يسير من أصحابه وذلك في شوال منها‏.‏

وتأخر العسكر بدمشق فقدم إليها تموصلت بن بكار من قبل الحاكم فلم يزل عليها إلى أن ولي مفلح اللحياني دمشق في ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين‏.‏

وكان خادما وفي وجهه شعر فسار إليها‏.‏

 سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائه

وفيها قتل أبو علي الحسن بن عسلوج في المحرم وأحرق‏.‏

وقتل علي بن عمر بن العداس في شعبان وأحرق‏.‏

وقتل الأستاذ أبو الفضل زيدان صاحب المظلة لعشر بقين من ذي الحجة ضرب عنقه‏.‏

وفيها استأذن عبد الأعلى بن الأمير هاشم بن المنصور أن يخرج إلى بعض ضياعه فأذن له الحاكم فخرج بجماعة من ندمائه فبعث الحاكم عينا يأتيه بخبرهم فصاروا إلى متنزههم فأكلوا وشربوا وجرى من حديثهم أن قال أحد أولاد المغازلي المنجم لابن هاشم‏:‏ لا بد لك من الخلافة فأنت إمام العصر‏.‏

فلما عادوا ودخل ابن هاشم على الحاكم وجلس أخرج الحاكم من تحت فراشه سيفا مجردا وضربه به فحمل من داره وكتب يعتذر عن ذنبه إن كان قيل عنه ويحلف ويذكر أن ضربته سالمة ويسأل الإذن في طبيب يعالجه فأجيب إلى ذلك‏.‏

فلما أفاق استأذن في الدخول إلى الحمام فأذن له فبعث الحاكم إلى الحمام من ذبحه فيه وأتاه برأسه‏.‏

وبعث إلى من حضر المجلس فقتلوا وأحرقوا بالنار وفيهم أولاد المغازلي وابن خريطة وأولاد أبي الفضل بن الفرات وفتيان من كتامة‏.‏

وتتابع القتل في الناس من الجند والرعية بضروب مختلفة‏.‏

 سنة أربع وتسعين وثلثمائة

في محرم خلع على مظفر الخادم الصقلبي وحمل على ثلاث بغلات بمراكبها ومعه ثياب كثيرة وندب لحمل المظلة‏.‏

وخلع على متولي الأسود وحمل لواؤه ببرقة‏.‏

وقبض على أبي داود بن المطيع‏.‏

وخلع على صاحب ديوان النفقات وضرب عنقه بسبب أنه سرق مائتي ألف دينار وقدم مفلح اللحياني إلى دمشق في المحرم فسار عنها تموصلت يريد مصر ونزل بداريا فمات بها في ثاني صفر‏.‏

فلما ورد خبر موته إلى الحاكم خلع على ولديه وحملهما‏.‏

وقدم الحاج في رابع عشريه‏.‏

وفي ربيع الأول ألزم الناس بوقود القناديل بالليل في سائر الشوارع والأزقة بمصر‏.‏

وخلع على أبي يعقوب بن نسطاس المتطبب وحمله على بغلتين ومعه ثياب كثيرة ومنحت لها دار بالقاهرة وفرشت وألزم بالخدمة وكان قد هلك منصور بن معشر الطبيب‏.‏

وهدمت كنيستان بجانب جامع راشدة‏.‏

وفي جمادى الآخرة حمل إلى الشريف أبي الحسن علي النرسي رسمه يجاري به العادة في كل سنة وهو من الثياب عشرون قطعة بنحو خمسمائة دينار‏.‏

وفي رجب قرئ سجلان أحدهما فيه إنكار الحاكم على من يخاطبه في المكاتبة بمولى الخلق أجمعين والآخر بمسير الحاج أول ذي القعدة‏.‏

وقبض على ثلاثة عشر رجلا ضربوا وشهروا على الجمال وحبسوا ثلاثة أيام بسبب أنهم صلوا صلاة الضحى وفي شعبان خرج الكتاميون إلى باب الفتوح فترجلوا وكشفوا رؤوسهم واستغاثوا بعفو أمير المؤمنين فأوصل إلى الحاكم جماعة منهم فوعدهم وكتب لهم سجل قرئ بالقصر والجوامع بالرضا عنهم وإعادتهم إلى رسومهم في التكرمة‏.‏

وأمر بهدم جامع عمرو بن العاص بالإسكندرية‏.‏

وصلى الحاكم بالناس في رمضان صلاة الجمعة مرتين وخطب‏.‏

وفي سادس عشره صرف الحسين بن النعمان عن القضاء‏.‏

وكان قد ضرب في الجامع فندب الحاكم جماعة من شيوخ الأضياف يركبون معه إلى كل مجلس فيه جماعة من الخاصة وأمر أصحاب سيوف الحلي بالمشي بين يديه في كل يوم‏.‏

فكان إذا حضر إلى الجامع العتيق وقام يصلي وقف جماعة الأضياف صفا خلفه يسترونه ولا يصلي أحد منهم حتى يفرغ من صلاته ويعود إلى مجلسه فإذا جلس في مجلسه كانوا قياما عن يمينه وشماله‏.‏

وهو أول قاض فعل ذلك معه وأول قاض كتب في سجلاته قاضي القضاة وعلت منزلته عند الحاكم وتخصص به‏.‏

وكان له عند الحاكم جماعة يمدحونه ويبالغون في الثناء عليه منهم ريحان اللحياني وزيدان ومصلح اللحياني فانبسطت يده وعظم شأنه ولا عن بين رجل وامرأته وتشدد على الناس فكان إذا أبطأ شاهد يوم جلوسه في الجامع عن الحضور إلى داره والركوب معه رسم عليه وأغرمه مالاً ليأخذه‏.‏

وألزم كتابه بملازمة داره دائما‏.‏

وكانت إليه الدعوة أيضا‏.‏

وكان قاضي القضاة وداعي فكانت مدة نظره في القضاء خمس سنين وستة أشهر وثلاثة وعشرين يوما‏.‏

ومولده لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة ثمان وخمسين‏.‏

وهو أول قاض أحرق بعد قتله فإن الحاكم أحرقه بعد ما قتله في سادس محرم الآتي ذكره‏.‏

وفي سادس عشر رمضان قلد أبو القاسم عبد العزيز بن محمد بن النعمان القضاء إلى ما بيده من النظر في المظالم وخلع عليه وقلد سيفا محلى بذهب وحمل على بغلة وبين يديه سفط ثياب‏.‏

فنزل في موكب عظيم إلى الجامع العتيق فجلس تحت المنبر ورقى أبو علي أحمد بن عبد السميع وقرأ سجله‏.‏

وانصرف إلى داره فنزلها وحكم واستخلف على الحكم أبا الحسن مالك بن سعيد الفارقي مضافا إلى ما كان مستخلفاً عليه من الحكم في القاهرة‏.‏

واستكتب أبا يوسف منال لحضرته والتوقيعات عنه ثم كتب له سجل بأخذ الفطرة والنجوى وحضور المجلس بالقصر وأخذ الدعوة على الناس وقراءة ما يقرأ على من دخل الدعوة‏.‏

فحضر يوم الخميس الثاني عشر منه وقرأ ما جرى الرسم بقراءته في القصر وأخذ النجوى والفطرة وأوقف سائر الشهود الذين قبلهم حسين في أيامه وصرف عدة من المستخلفين بالأعمال واستكتب أبا طالب ابن السندي فوقع بين يديه واستكتب أبا القاسم علي ابن عمر الوراق وكتب السجلات وكتب القضايا والأحكام‏.‏

ولزم حسين داره وقد استبد خوفه وفيه قرئ سجل بالإنكار على الكتاب ومن يجري مجراهم في أخذ شيء من البراطيل ونحوها‏.‏

وركب الحاكم لصلاة العيد بالمصلى فصلى وخطب وحضر السماط بالقصر على رسمه في ذلك‏.‏

وبرزت قافلة الحاج في ثامن ذي القعدة بالكسوة والصلات على العادة‏.‏

وصلى الحاكم بالناس صلاة عيد النحر ونحر في الملعب‏.‏

وفيها قتل سهل بن يوسف أخو يعقوب بن يوسف بن كلس الوزير بسبب قوة طمعه وكثرة شرهه وعندما قدم للقتل سأل أن يدفع الساعة ثلثمائة ألف دينار عيناً يفدى بها نفسه فلم يجب‏.‏

وقتل أيضا القائد أبو عبد الله الحسين بن الحسن البازيار من أجل أنه كان إذا دخل من باب البحر تكون رجله على عنق دابته ويكون الحاكم في المنظرة التي على بابه فتصير رجله إلى وجه الحاكم وكان ابن البازيار قد اعتراه وجع النقرس فعد ذلك الحاكم عليه دينا قتله به في شوال لسوء التوفيق‏.‏

وفيها قدم من برقة عدة من بني قرة إلى الإسكندرية فقتلوا عن آخرهم‏.‏

وذلك أن يانس لما قتل وصل عسكره إلى طرابلس فنازلهم القائد جعفر بن حبيب فزحف إليه فلفول ابن خزرون ففر منه وخرج فتوح بن علي ومن معه من أصحاب يانس إلى فلفول وملكوه عليهم فقام بدعوة الحاكم وعقد الحاكم ليحيى بن علي بن حمدون الأندلسي على أطرابلس وكتب لبني قرة أن يسيروا معه فمضوا من برقة معه وخذلوه فعاد إلى القاهرة ورجع بنو قرة إلى برقة وأظهروا الخلاف فأمنهم الحاكم حتى قدموا وحدهم إلى إسكندرية فقتلوا‏.‏

واستقرت أطرابلس بيد فلفول وتداولها بنوه‏.‏

 سنة خمس وتسعين وثلثمائة

في سابع محرم قرئ سجل في الجوامع يأمر اليهود والنصارى بشد الزنار ولبس الغيار وشعارهم بالسواد شعار الغاصبين العباسيين‏.‏

وفيه فحش كثير وقدح في حق الشيخين رضي الله عنهما‏.‏

وقرئ سجل في الأطعمة بالمنع من أكل الملوخية المحببة كانت لمعاوية بن أبي سفيان والبقلة المسماة بالجرجير المنسوبة إلى عائشة رضي الله عنها والمتوكلية المنسوبة إلى المتوكل‏.‏

وفيه المنع من عجن الخبز بالرجل والمنع من أكل الدلنيس والمنع من ذبح البقر التي لا عاقبة لها إلا في أيام الأضاحي وما سواها من الأيام لا يذبح منها إلا ما لا يصلح للحرث‏.‏

وقرئ سجل آخر بأن يؤذن لصلاة الظهر في أول الساعة السابعة ويؤذن لصلاة العصر في أول الساعة التاسعة‏.‏

وإصلاح المكاييل والموازين والنهي عن البخس فيهما والمنع من بيع الفقاع وعمله ألبتة لما يؤثر عن علي رضي الله عنه من كراهة شرب الفقاع‏.‏

وضرب في الطرقات بالأجراس ونودي ألا يدخل الحمام أحد إلا بمئزر وألا تكشف امرأة وجهها في طريق ولا خلف جنازة ولا تتبرج‏.‏

ولا يباع شيء من السمك بغير قشر ولا يصطاده أحد من الصيادين‏.‏

وتتبعت الحمامات وقبض على جماعة وجدوا بغير مئزر فضربوا وشهروا‏.‏

وفيه برزت العساكر لقتال بني قرة وسارت‏.‏

وكتب في صفر على سائر المساجد وعلى الجامع العتيق من ظاهره وباطنه في جميع جوانبه وعلى أبواب الحوانيت والحجر والمقابر والصحراء بسب السلف ولعنهم ونقش ذلك ولون بالأصباغ والذهب وعمل كذلك على أبواب القياسر وأبواب الدور وأكره على عمل ذلك‏.‏

وأقبل الناس من النواحي والضياع فدخلوا في الدعوة وجعل لهم يوم وللنساء يوم فكثر الازدحام ومات في الزحمة عدة‏.‏

ولما دخل الحاج نالهم من العامة سب وبطش فإنهم طلبوا منهم سب السلف ولعنهم فامتنعوا‏.‏

ونودي في القاهرة‏:‏ لا يخرج أحد بعد المغرب إلى الطريق ولا يظهر بها لبيع ولا شراء فامتثل الناس لذلك‏.‏

وفي ربيع الأول تتبعت الدور ومن يعرف بعمل المسكرات وكسر من أوعيتها شيء كثير‏.‏

وفيه أمر الحاكم بشونة تحت الجبل ملئت بالسنط والبوص والحلفاء فتخوف الناس كافة من يتعلق بخدمة الدولة من الأولياء والقواد والكتاب وسائر الرعية من العوام‏.‏

وقويت الشفاعات وكثر الاضطراب فاجتمع سائر الكتاب والمتصرفين من المسلمين والنصارى وخرجوا بأجمعهم في خامسة إلى الرياحين بالقاهرة وما زالوا يقبلون الأرض حتى وصلوا إلى القصر فوقفوا على بابه يدعون ويتضرعون ويضجون ويسألون العفو عنهم ومعهم رقعة قد كتبت عن الجميع‏.‏

ثم دخلوا باب القصر وهم يسألون أن يعفى عنهم ولا يسأل فيهم قول ساع يسعى فيهم‏.‏

وسلموا رقعتهم لقائد القواد فأوصلها إلى الحاكم فعفا عنهم وأمرهم على لسان قائد القواد بالانصراف والبكور لقراءة سجل بالعفو عنهم فانصرفوا بعد العصر‏.‏

وقرئ من الغد سجل كتب نسخة للمسلمين ونسخة للنصارى ونسخة لليهود بالأمان والعفو عنهم‏.‏

وفي ليلة التاسع منه ولد للحاكم ولد فجلس في صبيحتها للهناء وأمر بإحراق الشونة فأحرقت‏.‏

وكان سابع المولود فأخرج على يد خادم إلى قائد القواد فتسلمه حتى أعد المزين شعره وذبح عنه الشريف أبو الحسن النرسي العقيقة بيده وحمل عثمان الحاجب الدم والعقيقة فأمر له بألف دينار وفرس ملجم وعدة ثياب من أجل حمل الدم والعقيقة ودفع إلى المزين مائتا دينار وفرس‏.‏

وسمى المولود بالحارث وكنى بأبي الأشبال‏.‏

وخرج قائد القواد إلى سائر الأتراك والديلم والعرفاء وقال‏:‏ مولانا يقرأ عليكم السلام ويقول قد سميت مولاكم الأمير الحارث وكنيته أبا الأشبال‏.‏

فقبل الجميع الأرض وأكثروا الدعاء وانصرفوا‏.‏

وزينت البلد أربعة أيام‏.‏

وفيه رسم الحاكم لجماعة من الأحداث أن يتقافزوا من موضع عال في القصر ورسم لكل منهم بصلة فحضر جماعة وتقافزوا فمات منهم نحو ثلاثين إنسانا من أجل سقوطهم خارجاً عن الماء على صخر هناك ووضع لمن قفز ماله‏.‏

وفي ربيع الآخر اشتد خوف كافة الناس من الحاكم فكتب ما شاء الله من الأمانات للغلمان الأتراك الخاصة وزمامهم ومن معهم من الحمدانية والبكجورية والغلمان العرفاء والمماليك وصبيان الدار وأصحاب الإقطاعات والمرتزقة والغلمان الحاكمية القدم‏.‏

وكتب أمان لجماعة من خدم القصر الموسومين بخدمة الحضرة بعد ما تجمعوا وساروا إلى تربة العزيز وضجوا بالبكاء وكشفوا رؤوسهم‏.‏

وكتبت عدة سجلات بأمانات للديلم والخيل والغلمان الشرابية والغلمان المرتاحية والغلمان البشارية والغلمان المفرقة العجم وغيرهم والنقباء والروم المرتزقة‏.‏

وكتبت عدة أخرى بأمان الزويلين والمنادين والبطالين والبرقيين والعطوفية والجوانية والجودرية والمظفرية والصنهاجيين وعبيد الشراء بالحسينية والميمونية والفرجية‏.‏

وكتب أمان لمؤذني أبواب القصر وأمانات لسائر البيازرة والفهادين والحجالين وأمانات أخر لعدة أقوام كل ذلك بعد سؤالهم وتقربهم‏.‏

وفيه أمر بقتل الكلاب فقتل منها ما لا يحصى حتى لم يبق منها بالأزقة والشوارع شيء وطرحت بالصحراء وبشاطىء النيل وأمر بكنس الأزقة والشوارع وأبواب الدور في كل مكان ففعل ذلك‏.‏

وفي جمادى الآخرة فتحت دار الحكمة بالقاهرة وجلس الفقهاء فيها وحملت الكتب إليها ودخلها الناس للنسخ من كتبها وللقراءة‏.‏

وانتصب فيها الفقراء والقراء والنحاة وغيرهم من أرباب العلوم وفرشت وأقيم فيها خدام لخدمتها وأجريت الأرزاق على من بها من فقيه وغيره وجعل فيها ما يحتاج إليه من الحبر والأوراق والأقلام‏.‏

وفيه اشتد الطلب على الركابية المستخدمين في الركاب بعد أن قتل منهم في يومين أكثر من خمسين نفسا فتغيبوا وامتنع أحد من الناس أن يمشي بين يديه غلام أو شاكري فكانت القواد ومن جرى رسمه أن يكونوا بين يديه يسيرون وحدهم وإذا نزل أحدهم للسلام أمسك خادمه الدابة ثم عفى عنهم وكتب لهم أمان‏.‏

وكتب لعدة من الناس عدة أمانات‏.‏

وفيه منع كل أحد ممن يركب أن يدخل من باب القاهرة راكبا ومنع المكاريون أن يدخلوا بحميرهم ومنع الناس من الجلوس على باب الزهومة من التجار وغيرهم ومنع كل أحد أن يمشي ملاصق القصر من باب الزهومة إلى باب الزمرد‏.‏

ثم أذن للمكاريين في الدخول وكتب لهم أمان‏.‏

وتخوف الناس فخرج أهل الأسواق على طبقاتهم كل طائفة تسأل كتابة أمان فكتب ما ينيف عن المائة أمان لأهل الأسواق خاصة قرئت كلها في القصر ودفعت لأربابها وكلها على نسخة واحدة‏.‏

وهي بعد البسملة‏:‏ هذا كتاب من عبد الله ووليه المنصور أبي علي الإمام الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين لأهل مشهد عبد الله إنكم من الآمنين بأمان الله الملك الحق المبين وأمان سيدنا محمد خاتم النبيين وأبينا علي خير الوصيين وذرية النبوة المهديين آبائنا صلى الله على الرسول ووصيه وعليهم أجمعين‏.‏

وأمان أمير المؤمنين على النفس والأهل والدم والمال‏.‏

لا خوف عليكم ولا تهديد بسوء إليكم إلا في حد يقام بواجبه وحق يوجد لمستوجبه‏.‏

فليوثق بذلك وليعول بأمان الله‏.‏

وكتب في جمادى الآخرة سنة خمسين وتسعين وثلثمائة‏.‏

والحمد لله وصلى الله على محمد سيد وفي يوم الأربعاء لعشر خلون من رمضان ولد للحاكم ولد ذكر فجلس الحاكم يوم الخميس للهناء‏.‏

وكان السابع يوم الثلاثاء فحمله شكر الخادم وحضر أبو الحسن علي ابن إبراهيم النرسي وعق عنه وحضر المزين فحلق شعره وتناول ماله من الرسم‏.‏

وسماه الحاكم عليا وكناه أبا الحسن وهو الذي ولي الخلافة وتلقب بالظاهر‏.‏

وفيه فرش جامع راشدة‏.‏

وركب الحاكم يوم عيد الفطر وعليه ثوب مصمت أصفر وعلى رأسه منديل منكر وهو محنك بذؤابة والجوهر بين عينيه‏.‏

وقيد بين يديه ستة أفراس بسروج مرصعة بالجوهر وست فيلة وخمس زرافات فصلى بالناس صلاة العيد وخطبهم فلعن في خطبته ظالمه حقه والمرجفين به وأصعد معه قائد القواد وقاضي القضاة عز الدين‏.‏

وفيه اضطرب السعر واختلف الناس في الدراهم والصرف فكانت المعاملة بالدراهم الزائدة والقطع واستقر سعرها على ستة وعشرين درهما بدينار‏.‏

وفي أول ذي القعدة برزت قافلة الحاج إلى مصلى القاهرة ثم رفعت إلى جب عميرة في سابعه وسارت ليلة العاشر منه بالكسوة للكعبة والرسوم على العادة‏.‏

وفيه كسر الخليج والماء على خمسة عشر ذراعا وسبعة أصابع وهو آخر يوم من مسرى‏.‏

وحضر الحاكم وعلى رأسه تاج مكلل بالجواهر‏.‏

ونودي في الناس بأن يلعبوا بالماء في النوروز ونزل الحاكم يوم النحر إلى المصلى فصلى بالناس وخطب ونحر بها ثلاث بدن وعاد إلى القصر فحضر السماط ثم نحر في الملعب إحدى وعشرين بدنة وواصل النحر أياماً‏.‏

وفيها قتل القاضي حسين بن النعمان ضربت رقبته ثم أحرق بالنار‏.‏

وذلك أن متظلما رفع رقعةً إلى الحاكم يذكر فيها أن أباه توفي وترك له عشرين ألف دينار‏.‏

وأنها في ديوان القاضي وقد أخذ منها رزق أوقاف معلومة وأن القاضي حسين بن النعمان عرفه أن ماله قد نجز‏.‏

فدعا به وأوقفه على الرقعة فقال كقوله للرجل من أنه قد استوفى ماله من أجرة‏.‏

وأمر بإحضار ديوان القاضي فأحضر من ساعته فوجد أن الذي وصل إلى الرجل أيسر ماله‏.‏

فعدد على القاضي حسين ما أقطعه وأجرى له وما أزاح من علله لئلا يتعرض إلى ما نهاه عنه من هذا وأمثاله‏.‏

فقال‏:‏ العفو والتوبة فأمر به فضربت عنقه وأحرق‏.‏

وقتل عدة أناس يزيد عددهم على مائة نفس ضربت أعناقهم وصلبوا وقتل عبد الأعلى بن هاشم من القرابة لأنه كان يتحدث بأنه يلي الخلافة وأنه كان يجمع قوما ويعدهم بولاية الأعمال‏.‏

وقد تقدم خبره‏.‏

 سنة ست وتسعين وثلثمائة

فيها ذكر المسبحي خبر أبي ركوة الوليد بن هشام بن عبد الملك بن عبد الرحمن الأموي ولد بالأندلس وقدم القيروان فانتصب يعلم الصبيان بها القرآن ثم دخل إلى مصر فأقام بها وبأريافها يعلم الصبيان مدة ثم خرج إلى الإسكندرية وقد أكثر الحاكم من الإيقاع ببني قرة وأكثر من قتلهم وتحريقهم بالنار فخلعوا طاعته‏.‏

وسبب ذلك أن بني قرة كان شيخهم مختار بن القاسم فلما بعث الحاكم يحيى بن علي الأندلسي يخرج فلفول بن سعيد بن خزرون بطرابلس على صنهاجة ساروا معه إلى طرابلس وجرت الهزيمة عليه ورجعوا إلى برقة‏.‏

فتنكر لهم الحاكم فامتنعوا عليه فبعث لهم بالأمان فقدم وفدهم إلى الإسكندرية فقتلهم عن آخرهم سنة أربع وتسعين‏.‏

وكان عندهم معلم القرآن واسمه الوليد بن هشام ينسب إلى المغيرة بن عبد الرحمن من بني أمية وكان يزعم أن له أثارة من علم ويخبر بأنه سيملك ما ملكه آباؤه وكان يقال له أبو ركوة‏.‏

فدعاهم إلى نفسه فبايعوه وتلقب بأمير المؤمنين الناصر لدين الله‏.‏

ثم بعث إلى لواتة ومزانة وزناتة فاستجابوا له ورحل إلى برقة والناس يباركونه في كل يوم فيسلمون عليه بالخلافة ويقبلون له الأرض فيجلس في وسطهم ويقول‏:‏ أنا واحد منكم وما أريد شيئا من هذه الدنيا‏:‏ ولا أطلبها إلا لكم وليس معي مال أعطيكم وإنما لي عليكم طاعة وإن نصرتموني نصرتم أنفسكم وإن قاتلتم معي أخذتم حقكم بأيديكم فيقولون له‏:‏ يا أمير المؤمنين نحن فلم يزل معهم يطوف قرى برقة ويأخذ البيعة إلى أن عظم أمره وهو فيما بين الإسكندرية وبرقة‏.‏

فبعث إليه الحاكم جيشا عليه ينال الطويل التركي في نصف شعبان سنة خمس وتسعين فواقعه أبو ركوة وقتله ومعظم عسكره وظفر من الأموال والخيل والسلاح والنعم الجليلة بما قوى به واشتد بأسه‏.‏

وكان في ظهور أبي ركوة طلع كوكب الذؤابة فكان يضئ كالقمر وله بريق ولمعان ويقوى ويكثر نوره وأمر أبي ركوة يشتد ويعظم‏.‏

فأقام هذا الكوكب شهورا ثم اضمحل نوره وضعف لمعانه وأخذ أمر أبي ركوة ينقص ويضعف إلى أن أخذ أسيراً فغاب الكوكب ولم ير بعد ذلك فكان شأن هذا الكوكب في دلالته على أبي ركوة من أعجب العجب‏.‏

وابتدأ الحاكم في تجريد العساكر شيئا بعد شيء ونزل أبو ركوة بعد ظفره على برقة فحاصرها وصندل الحاكم أميرها يقاتله حتى اشتد الحصار ومنع أهل برقة من الميرة ففر صندل ومعه شيوخ البلد إلى الحاكم وحثه على بعث الجيوش وأعلمه بقوة أبي ركوة واستفحال أمره‏.‏

ودخل أبو ركوة إلى مدينة برقة واستخرج الأموال وأقطع بني قرة أعمال مصر مثل دمياط وتنيس والمحلة وغيرها وكتب خطه بذلك وأقطع دور القواد والأكابر التي بالقاهرة ومصر وجدد البيعة لنفسه‏.‏

فندب الحاكم لقتاله القائد أبا الفتوح فضل بن صالح في ربيع الأول سنة ست وتسعين وأتبعه بالعساكر فاجتمعت بالإسكندرية وسار بها فلقيه أبو ركوة بذات الحمام‏.‏

وكانت بينهما حروب آلت إلى هزيمة العسكر والاحتواء على ما فيه من مال وسلاح فعظم شأن أبي ركوة‏.‏

ووردت الجند على الحاكم بذلك للنصف من رمضان فكان من تدبير الحاكم أن دعا بوجوه رجاله وقواده فأمرهم أن يكاتبوا أبا ركوة ويعرفوه أنهم على مذهبه ورأيه وانه إن توجه إليهم وقرب منهم صاروا في جملته وقاتلوا معه وذكروا ما يقاسونه من قتل وجوههم وأكابرهم وأنهم لا يأمنون في ليلهم ولا نهارهم مع ما يسمعونه من انتقاص الشرف ونحو هذا‏.‏

فكتبوا بذلك وأنفذوا إليه عدة كتب من كل واحد منهم كتابا مع رسوله‏.‏

فلما تواتر ذلك عليه وثق به ولم يشك فيه وحشد جموعه ووعدهم بأموال مصر ونعمها وسار‏.‏

فخلع الحاكم على أبي الحسن علي بن فلاح وسيره إلى ضبط بركة الحبش في عسكر فأقام بها أياما ثم عدى إلى الجيزة وتلاحقت به العساكر براً وبحراً‏.‏

واضطربت الأسعار بمصر وعدم الخبز وبيع مبلولاً ستة أرطال بدرهم وكان يباع عشرة أرطال بدرهم وأنفق في العساكر المتوجهة لكل واحد أربعةً وعشرين دينارا‏.‏

وكوتب على بن صفوح بن دغفل بن الجراح الطائي فحضر في سابع عشر شوال وخلع عليه وتزايد سعر الدقيق والخبز وروايا الماء وازدحم الناس عليها‏.‏

وخلع على القائد فضل بن صالح ثوب ديباج مثقل طميم أحمر ومنديل ذهب وقلد بسيف وحمل على فرس بمركب ذهب وبين يديه تسعة من الخيل وثلاثون بندا مذهبة وأربعة عشر سفطا فيها أنواع الثياب‏.‏

وسار إلى الجيزة وأكمل لكل واحد من العساكر السائرة خمسون دينارا‏.‏

ونزلت إليه خزانة السلاح‏.‏

وورد الخبر بنهب الفيوم فجهزت إليها سرية فأوقعوا بأصحاب أبي ركوة وبعثوا إلى القاهرة بعدة رؤوس طيف بها‏.‏

وسار القائد فضل من الجيزة في رابع ذي القعدة والغلاء بالعسكر فبيعت الويبة من الشعير بخمسة دراهم والخبز ثلاثة أرطال بدرهم‏.‏

وأقام على بن فلاح في مضاربه بالجيزة وحمل إليه خيمة وخمسة أفراس بمراكبها وسيف وألفا دينار وثلاثون ثوبا فأنفق في أصحابه‏.‏

فلما كان في ثامن عشر ذي القعدة وقع في الناس خوف في الليل وضجيج فنزلت العساكر طائفة بعد طائفة والناس جلوس في الشوارع وعلى أبواب الدور ليلهم كله يبتهلون بالدعاء بالنصر فلحقت هذه العساكر بابن فلاح وهو بالجيزة فسير عسكراً إلى الفيوم وأقام على خوف ووجل‏.‏

فبلغ أبا ركوة إقامة علي بن فلاح بالجيزة فأسرع إليه وكبس عسكره ونهب سواده وأخذت خزائن السلاح ووقع القتال الشديد فقتل خلق كثير من أصحابه وجرح خلق لا يحصى‏.‏

ولما نزلت خزائن السلاح من عند الحاكم مع قائد القواد وعظم البكاء والضجيج على شاطىء النيل لكثرة القتلى في العسكر منع ابن فلاح من حمل الموتى إلى مصر وأمر بدفنهم في الجيزة‏.‏

وافتقد كثير من العسكر فلم يعلم لهم خبر ولم يسلم من العسكر إلا القليل فغلقت الأسواق وجلس الناس بالشوارع غما لما جرى على العسكر وتزايد البكاء من الناس على فقد آبائهم ومعارفهم‏.‏

وباتوا وأصبحوا يوم السبت العشرين منه فورد الخبر بدخول أبي ركوة في جموعه إلى الفيوم وسار فضل بن صالح لقتاله فالتقى معه في ثالث ذي الحجة وحاربه فكانت وقعة عظيمة قتل فيها ما لا يحصى كثرة‏.‏

وانهزم أبو ركوة واستأمن بنو كلاب وغيرهم من العرب‏.‏

فسارت العساكر في طلب أبي ركوة وحضرت الرؤوس من الفيوم ومعها الأسرى وهي تجاوز ستة آلاف ومائة أسير فطيف بها بالبلد وقتل الأسرى بالسيوف بع ما لحقهم أنواع البلاء بيد العامة يصفعون أقفيتهم وينتفون لحاهم ويضربونهم حتى تفتحت أكتاف كثير منهم فكان أمراً مهولاً‏.‏

وتواتر مجيء من أخذ من عسكر أبي ركوة فجيء بخلق كثير وعدة رؤوس‏.‏

ودخل ابن فلاح من الجيزة فخلع عليه‏.‏

واستمر القائد فضل في طلب أبي ركوة هو يبعث بمن قبض عليه من الرجال وبرؤوس من يقتلهم شيئاً بعد شيء‏.‏

وعاد علي بن الجراح من عند القائد فضل فخلع عليه‏.‏

وفي الثاني من جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين ورد الخبر من القائد الفضل بن صالح بحصول أبي ركوة ووقوعه في يده فابتهج الناس لذلك وخلع على قائد القواد وعلى أولاده وعلى البدوي الذي خرج في طلب أبي ركوة حتى أدركه ببلد النوبة وعلى أبي القاسم علي بن القائد فضل وعلى ابنه‏.‏

وذلك أن أبا ركوة دخل بعد هزيمته إلى بلد النوبة فتبعه القائد فضل وبعث إلى ملك النوبة بالقبض على أبي ركوة وسير إليه عسكراً مع الكتاب‏.‏

فلما بلغوا أطراف النوبة وجدوا أبا ركوة قد اختفى بدير هناك وله فيه أربعة عشر يوماً فدلهم عليه رجل من العرب فقبضوا عليه في ربيع الأول منها وأتوا به إلى القائد فضل‏.‏

فسار به إلى مصر ونزل بركة الحبش يوم الجمعة للنصف من جمادى الآخرة فخرج إليه قائد القواد بسائر رجال الدولة وسلم عليه وأبو ركوة في مضرب ومعه القائد فضل فأقام هناك إلى بكرة يوم الأحد سابع عشره فصار من بركة الحبش بعساكره وأبو ركوة على حمل فوق سرير وعليه ثوب مشهر وفوق رأسه طرطور طويل ومعه رجل يمسكه‏.‏

وذلك أنه لما ألبس الطرطور صاح‏:‏ يا فضل يا أبا الفتوح ما كذا ضمنت لي‏.‏

فصفع صفعة منكرة وأمسك يديه هذا القائد خلفه وقد اجتمع الناس من كل جهة فكان جمعا لم ير مثله كثرة وأوجرت الدور والحوانيت بحمله وبات الناس على الطرقات حتى وصل به إلى القصر فأوقف ساعة على باب القصر وهو يشير بأصبعه ويطلب العفو والصفع في قفاه ويقال له قبل الأرض فيقبل ثم سير به إلى مسجد تبر‏.‏

فلما خرج من باب القاهرة أشار إلى الناس يرجمونه بالحجر والاجر ويصفعونه وينتفون لحيته حتى عاين الموت مرارا إلى أن بلغ مسجد تبر فضرب عنقه وصلب جسده وحل رأسه إلى الحاكم فخلع على القائد فضل وغيره من القواد والعرفاء الذين كانوا معه وخلع على قائد القواد‏.‏

فكان يوماً عظيما مهولاً لكثرة اجتماع الناس‏.‏

وأقاموا ليلتين في الحوانيت والشوارع وعلى أبواب الدور يظهرون المسرة والفرح‏.‏

وأظهر أبو ركوة في مواقف الألم صبرا وتجلدا وكان لا يخاطب القائد الفضل إلا باسمه أو بكنيته‏.‏

ولما أقام في بركة الحبش وخرج الناس ورأوه كان يسأل من يلقاه عن اسمه وكان يتلو القرآن ويترحم على السلف‏.‏

وكان شاباً أسمر تعلوه حمرة مستن الوجه طويل الجبهة أشهل بزرقة أقنى صغير اللحية أصهب إلى الشقرة ظاهر القلوب تبين فيه الجد لا يكاد يتجاوز ثلاثين سنة يوم قتل‏.‏

ويقال إنه ولد رجل من موالي بني أمية‏.‏

ولما قتل أبو ركوة نفذت الكتب إلى الأعمال كلها بخبر الفتح‏.‏

فلما كان في رجب ورد شيوخ كل ناحية وقضاتها وقضاة الشام وشيوخه لتهنئة الحاكم بالظفر وأخذ أبي ركوة‏.‏

وقدم أبو الفتوح حسن بن جعفر الحسني أمير مكة في شعبان لتهنئته فخلع عليه وأكرمه وأنزل بدار برجوان‏.‏

وفيه أرجف الناس بأن القائد فضل بن صالح ينظر في أمور الدولة وتدبيرها بدل قائد القواد حسين بن جوهر وكان بينهما في الباطن تباعد من جهة الرتبة والحسد عليها‏:‏ وكان القائد فضل قد تفاقم وعظم تيهه وترفعه على قائد القواد في قوله وفعله‏:‏ قال المسبحي‏:‏ قال لي الحاكم بأمر الله وقد جرى حديث أبي ركوة‏:‏ ما أردت قتله ولكن جرى في أمره ما لم يكن عن اختياري فقلت له‏:‏ يا أمير المؤمنين ما قصر عبدك الفضل بن صالح في خدمته قال‏:‏ وإيش تظن أن فضل أخذ قلت‏:‏ نعم يا أمير المؤمنين هذا قول الناس‏.‏

فقال‏:‏ والله العظيم ما أفلح فضل في حركته تلك ولا أنجح ميزاننا‏.‏

أنفقنا ألف ألف دينار ذهبا صناعا وإنما أخذه ملك النوبة وأنفذ به إلي‏.‏

فقلت صدقت يا أمير المؤمنين وعلمت أن هذا مما قرر قائد القواد الحسين بن جوهر في نفسه ليبطل فعل فضل وخدمته فاستقر‏.‏

وأما خبر القاهرة فإنه جرى الأمر في يوم عاشوراء على العادة من تعطيل الأسواق وخروج المنشدين والناحة إلى جامع القاهرة فتظاهروا فيه بسب السلف فقبض على رجل ونودي عليه‏:‏ هذا جزاء من سب عائشة وزوجها وضربت عنقه‏.‏

وتقدم الأمر إلى أصحاب الشرطة ألا يتعرض أحد لسب السلف ومن فعل ذلك قبض عليه فانكف الرعاع عن السب والتعرض للحاج‏.‏

وللنصف من صفر وردت قافلة الحاج‏.‏

وفي نصف ربيع الأول جمع الحاكم نحو ألفي باقة نرجس وأتحف بها الأولياء‏.‏

واستهل رجب بيوم الأربعاء فخرج أمر الحاكم إلى أصحاب الدواوين بأن يؤرخوه بيوم الثلاثاء‏.‏

وفيه هبت ريح عاصفة ثم أرعدت ونزل المطر وفيه برد كهيئة الصفائح إذا سقط إلى الأرض تكسر فكان فيه ما يبلغ وزنه زيادة على أوقيتين وفيه ما هو قدر البيضة فغطى الأرض وأقام الناس أياما يتبعونه في الأسواق‏.‏

ولم يعهد مثل ذلك بمصر‏.‏

وجرى الرسم في شهر رمضان كل ليلة على العادة وصلى الحاكم فيه بالناس صلاة الجمعة وخطب ثلاث مرات‏.‏

وصلى يوم عيد الفطر بالناس وخطب بالمصلى على عادته‏.‏

وللنصف من ذي القعدة سارت قافلة الحاج بكسوة الكعبة وصلات الأشراف وغيرها على ما جرى به الرسم‏.‏

وفتح الخليج في السابع والعشرين من مسرى والماء على خمس عشرة ذراعاً وأصابع فلم يركب الحاكم لفتحه ولم يوف ست عشرة ذراعاً إلى ثامن توت فخلع على ابن أبي الرداد وحمل‏.‏

واجتمع الناس الذين جرت عادتهم بحضور القصر لسماع ما يقرأ من كتب مجالس الدعوة فضربوا بأجمعهم ولم يقرأ عليهم شيء‏.‏

وفيها رجل بنو قرة من البحيرة بأرض مصر إلى ناحية من عمل برقة مع كبيرهم مختار بن قاسم‏.‏